بين الموت والموت!


  هاتَفَني صديقي الشاعر العربي من أرض الكنانة قبل أيام, مُلِحَّا في السؤال عن الأحوال, والأمل بعد التوقيع على المبادرة الخليجية, وحكومة الائتلاف! وخَتَمَ مُهاتفَتَهُ لي بقوله: إننا نتوقع الكثير من اليمن وشعبه العريق في أن يقدم نموذجا يُحتذى به أمام أمّته والعالم!

أجبته, بصوت مِلؤهُ الحيرة, وربما الحزن: أتمنى ذلك, وإن كنت غير متفائل على المدى القريب! وأتمنى فقط ألا يطول انتظار كل أحباب ومحبي اليمن وشعبه أكثر مما يجب..

ما الذي يتوقعه إخواننا العرب من اليمنيين؟ أطرح هذا التساؤل رغم معرفتي بأن قلّة قليلة من العرب تعرف مُقدّرات وطاقات الشعب اليمني وقدراته ومواهبه,.. كما أني أعرف أن الغالبية من إخواننا العرب-وربما العالم- لا تعرف عن اليمن إلا ما تجود به بعض القنوات العربية, والأخبار والعناوين الملطخة بالإثارة واليومي والآني.

كنت أريد أن أُسهِبَ في ردّي على صديقي الشاعر العربي عبر أثير الهاتف, وأبيّن له مشكلة اليمنيين المُزمِنَة- والمُزمََّنة!- عبر التاريخ.

كنت أريد أن أفيض ملءَ الجرح الغائر الذي لا يندمل أبدا,.. ملءَ الحلم الذي لا يجيء, والآمال العالقة منذ مئات السنين.
كنت أريد أن أصرخ: هنيئا لكم أنكم ما زلتم تنتظرون!

نصف قرن على الأقل من الانتظار والأمل في أن تستيقظ الروح من سباتها, وينهض الجسد الغارق في غيبوبته وغيابه.

صحيح أن الروح فتحت عينيها, وأن الجسد استوى جالسا مُتَلفِتَا مُروَّعَا.. لكنه ما يزال جالسا قاعدا, لا يكاد يعرف طريقه.

إلى متى؟ بين الحياة والموت,.. بل بين الموت والموت؟

أقرأُ تاريخ اليمن, فأجد أن الصراع والحروب والتشتت والتكالب على السلطة هي المعالم الأساسية لهذا التاريخ.. وأتلفَّتُ حسرة,.. وكيف إذن صنع هذا الشعب إنجازاته عبر التاريخ في الخارج والداخل؟.. وأتعمد هنا أن أبدأ بالخارج.

وبعد تأمل أجد أن الشعب كان هو الإنجاز, وأن الدولة- إن وجدت- كانت هي الإخفاق.

كل الأدوار العظيمة لليمنيين, قامت بها قبائله وأفراده المميزون, والدولة غائبة تماما. وكل نابغي هذا الشعب, وعلمائه وعباقرته عبر التاريخ, بزغوا من وسط ظلام الدولة, وظلمها.

وقد لعب" الوقف" دورا رائدا في رعاية عباقرة هذا البلد, وموهوبيه, وغطَّى على غياب الدولة وصراعاتها, خلال الألف سنة الماضية, وهكذا ظهر في اليمن عباقرة الفقه, والعلم, والأدب, خلال حقب الظلام وسنواته. بل أن الوقف غطّى كل ما يجب أن تقوم به الدولة,.. حتى في رعاية البهائم السابلة, والضائعة, بما فيها الكلاب!

ما هي مشكلة اليمنيين المزمنة- والمُزَمَّنة!-؟

تاريخيا, فإن غلبة الصراع على السلطة, وانعدام وجود حاكم راشد لليمن كله, وليس لمنطقة أو قبيلة أو فئة, كان هو الغالب في معظم مراحل تاريخ اليمن.. وأقول الغالب وليس الكل.

حاليا, أو بتركيز أدق, خلال ثلث قرن مضى, أي, هذا الذي ما نزال نعيش لحظاته الأخيرة.. أو أنفاسه المتوارية, فإن مشكلة اليمنيين بالدرجة الأولى كانت أن النموذج في الصدارة كان سارق المال العام!

يمكن أن تجد ديكتاتورات كثيرة في تاريخنا, وحكاما ظلمة في كل وقت,.. لكنك لن تجد عصرا كاملا قائما على مجرد سرقة المال, والنهب المُنظَّم كما كان حاصلا, وما يزال خلال الثلاثين عاما الماضية بالتحديد,.. وقِلَّة قليلة هي التي نَجَتْ من محرقة الضمير هذه, ومن دخانها الذي دوَّخَ بلدا بكامله.

السرقة والنهب, وتفرع عنهما عدم الإخلاص في العمل.
هذه هي معالم الثلاثين سنة الماضية.

كنا نتمنى أن نودع حاكما ونحن نتمنى بقاءه! هل كثيرٌ على هذا الشعب النبيل الصابر والمثابر أن تتمثل أحلامه في حاكم نزيه اليد؟ نزيه اليد فحسب!

الشعب يعاني سكرات الموت جوعا, وقهرا, وظلاما, بينما الحاكم يتحدث عن القفز على السلطة! وكأن السلطة هي الهدف والغاية بحد ذاتها.

كنت أريد أن أتذكر بعضا من ومضات.. لكن ظلام أحد عشر شهرا مسح ذاكرتي! لم يعد في الذاكرة من ضوء سوى حرائق صنعاء وتعز.

هناك تعليق واحد:

  1. How do I make money from gambling and how do you make money from it?
    Using a bookmaker is งานออนไลน์ also called sports betting. The bookmaker 바카라 사이트 is a sportsbook or choegocasino casino, and it's like betting on a basketball game

    ردحذف