وداعا عبدالقادر الكاف


أخيرا, كفَّ عبدالقادر الكاف عن الشّدو, وتوقَّف القلب المرهق الخفّاق بالآلام العظيمة, والآمال التي لم تهل, والعيون التي لم تطل ذات هنيهةٍ من هنيهات العمر الأخيرة.

هكذا غادرنا الشاعر الغنائي الكبير/عبدالقادر الكاف, في ليلةٍ شديدة السواد, تعيشها البلاد معنىً ومبنىً.

وكشأْنِ أيّ شاعرٍ أو فنان حقيقي, عاش فقيدنا بيننا مثل نسمة صيف, أو ملاكٍ لا تكاد تسمع صوته وهو يحدثك ولا تكاد تراه لنحافة إطلالته السامقة, وسكينة هامته العابقة بالطفولة, والصدق والمشاعر.

ولأنه من آل الكاف, الأسرة التي توارثت الفن والشعر, والإدارة الحكومية, والغربة أيضا, فقد عاش في بيئة ثقافية غنيّة, تمدّه بالطاقة الخلاّقة التي فجّرت في روحه عواصف الشعر, وعواطف الفن, وخلقت ملامح الإنسان الذي عرفناه, ولوافح الفن الذي ألِفناه.

وبين ربوع وادي حضرموت, وحرارة هوائه وهواه, وخصوبة ترابه وثراه, نَضُج شاعرُنا الراحل باكرا مثل نخلةٍ باسقة, فكان الجنى حلوا حلاوة روحه, يسيل عذوبةً, كأنه السلافة, ويفوح عطرا كأنه حدائق الورد,.. فكان "ربيع الهوى",

"ربيع الهوى" ليس القطفة الأولى من عسل الشعر عند راحلنا الكبير, ولا باكورة الفن السابقة لغيرها لديه,.. فالكثير من إبداعاته لم يُطبع بعد, والكثير من ألحانه لم يرَ النور حتى الآن, وأتمنى أن نرى أعماله الكاملة في أقرب وقت, مجموعةً, مرتّبة, بما يليق به, وبعذوبته, وعذاباته.

تريمُ لا تَريمُ عن الضوء, ولا تكفُّ عن الإشعاع, منارتها أمل, وبيوتُها تاريخ, وحاراتُها محاراتٌ لأجمل الرجال, وأنقى الأرواح, يضيئون دروبنا, ويُسرِجون عزائمنا, بروعة الروح, وأشجان الصوت, وصدق البوح, وعراقة الفن,.. ومن تريم, من شغاف قلبها, ووهج روحها, وضوء وجوهها, عاش بيننا عبدالقادر الكاف, وغادر منسابا مثل ضوء مدينته, وجلال أحزانها, وبهاء أحلامها..

غادرنا وقد أعطى كلَّ شيء ولم يأخذ شيئا, شأنه شأن مدينته الكريمة المعطاءة.. المدينة التي أعطت العالمَ نورَ اليقين, وعباقرة الروح, والعلم والفن, وشرّقَ أبناؤها وغرّبوا يمشون بين الناس ملائكةً في إهاب بشر, وبشرا في سَمْتِ ملائكة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق